الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والثالث: قوله في سورة الأعراف82: {إلا أن قالوا أخرجوهم} وقال في سورة النمل 56: {إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط} فأضمر في الأول واظهر في الثاني؟والرابع: قوله في سورة الأعراف 83: {إلا امرأته كانت من الغابرين} وفي سورة النمل 57: {إلا امرأته قدرناه من الغابرين}.والخامس: قوله في سورة الأعراف 80: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} وقال في سورة النمل 54: {أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون}.والسادس: اختلاف المحكيات، قال في سورة الأعراف 82 {وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم} وفي النمل 56: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط} وفي العنكبوت 29 {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين}.فأما المسألة الأولى، وهي مجيء {بل أنتم قوم مسرفون} في الأعراف، و{بل أنتم قوم تجهلون} في سورة النمل، فالمسرف مجهل بإسرافه، والجاهل مسرف بأفعاله، إذ الإسراف مجاوزة الحد الواجب إلى الفساد، فيجوز أن يكون لوط عليه السلام لما كانت له مع قومه مقامات قال في بعضها هذا اللفظ، وفي بعضها اللفظ الآخر، ولم يناف أحدهما الآخر.ثم اختصاص مسرفين بسورة الأعراف، فلأن الآيات التي قبلها فواصلها أسماء جمعت هذا الجمع، من حيث قال: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض} الأعراف: 74 فكانت فاصلة هذه الآية: {مفسدين} وفاصلة ما بعدها: {مؤمنون} وما بعدها: {كافرون} وبعدها: {المرسلين} وبعدها: {جاثمين} وبعدها: {الناصحين}، وبعد ذلك إذ انتهى إلى هذه الآية {العالمين} فكان الاسم أحق بالوضع في هذا المكان لتتساوى الفواصل، وفي سورة النمل تقدم الآية التي فاصلتها: {بل أنتم قوم تجهلون} النمل: 55 قوله تعالى: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون* وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون* ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون} النمل: 52-54 فلما تناسقت هذه الأفعال في هذه الفواصل التي قبل هذه الفواصل التي قبل هذه الفاصلة كان بناؤها على ما قبلها بلفظ الفعل أولى بها، فجاء: {تجهلون} في هذا الموضع و{مسرفون} في الأول لهذا من القصد والله تعالى أعلم.وأما المسألة الثانية في اختصاص الواو بسورة الأعراف في قوله: {وما كان جواب قومه}، والفاء في سورة النمل: {فما كان جواب قومه} فلأن قبلها {مسرفون} وهو اسم وإن أدى معنى الفعل، و{تجهلون} صريح لفظ الفعل والأجوبة التي تتعلق بالأول المبتدأ به، وإنما أصلها ف الأفعال التي تقع وتوجد لوجود غيرها، والواو والفاء جائزتان في الموضعين إلا انه يختار حيث جاء الأصل الذي وضعت الفاء فيه لتوجب ما بعدها لوجود ما قبلها، وهو الفعل، واختيرت الواو حيث كان الملفوظ به الاسم ليفرق بين الموضعين، فيختار لكل ما هو أليق به، إذ ليس الاسم أصلا فيما جعلت الفاء للجواب فيه.وأما المسألة الثالثة، وهي إضمار آل لوط في الأعراف حيث قال: {إلا أن قالوا أخرجوهم} وإظهاره في سورة النمل لما قال: {أخرجوا آل لوط من قريتكم} فالجواب عنه أن يقال: إن السورتين ميتان وموجب هذا الإضمار والإظهار ان يكون ما جاء فيه الإظهار نازلا قبل ما جاء فيه من الإضمار، فلما أظهر في الآية المنزلة قبل اعتمد في القصة التي هي عند ذكرهم على الإضمار الذ أصله أن يكون بعد تقدم الذكر.وأما المسألة الرابهة وهي {إلا امرأته كانت من الغابرين} في سورة الأعراف، وفي سورة النمل: {إلا امرأته قدرناها من الغابرين} فالجواب عنها ما يدل عليه الجواب عن المسألة الثالثة، وهو أن هذه القصة في سورة النمل نازلة قبل القصة التي في سورة الأعراف بدليل الإضمار والإظهار، وإذا بنينا على هذا فإن قوله: {إلا امرأته قدرناها من الغابرين} أي: كتبنا عليها أن تكون من الباقين في القرية الهالكين مع أهلها، فلما ذكر في الآية المنزلة أولا أحال في الثانية على الأولى في البيان فقال: {كانت من الغابرين} أي: في تقدير الله الذي قدره لها، وأخبر فيما قبل عن حكمه عليها.وأما المسألة الخامسة فهي قوله تعالى في سورة الأعراف: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} وقال في سورة النمل: {أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون} فالجواب عنها على ما بينا، وهو أن ذكر قصة لوط وقومه نزل القرآن به قبل ذكره في سورة الأعراف، وتبكيتهم على الفاحشة، وتعظيم أمرها، وفحشهم فيها قبل الإخبار عن سبقهم إليها، فكان قوله: {وأنتم تبصرون} أي: لا تتكاتمون بها، لأنهم كانوا في مجالسهم لا يتحاشون عنها، وقيل: {وأنتم تبصرون} فحشها وشناعة قبحها، وهذه صفة ترجع إلى الفعلة نفسها، ثم إنهم لم يسبقوا إليها، كما قيل في الخبر: نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط وهذا وصف حقه أي يجيء بعد توفيه الفاحشة حق وصفها في نفوسها، فأخر ذكره إلى حكاية الثانية لهذه القصة، وقد خاطبهم لوط عليه السلام بذلك وأكثر منه في مقامات إنكاره عليهم ودعائهم لهم.وأما المسألة السادسة فعن اختلاف المحكيات، إذ كان في سورتي الأعراف والنمل: {وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم} و{أخرجوا آل لوط} وقال في سورة العنكبوت: {وما كان جواب قومه إلا أن قالوا إئتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} والجواب عن ذلك أن هؤلاء لما كرر عليهم لوط عليه السلام الإنكار وأعاد عليهم الإعذار والإنذار، قال في موقف ما حكاه الله تعالى عنه، فكان جوابهم له في ذلك الموقف ما ذكره الله تعالى. والجواب الثاني وإن خالف الجواب الأول فهو من جهتهم، وإذا خالفوا بين الأجوبة تناولت الحكاية مختلفها، على لو كان كل ذلك في موقف واحد لكان جائزا أن يكون جواب طائفة منهم ما ذكر أولا، وجواب طائفة أخرى ما ذكر ثانيا، وكل من الطائفتين قومه.فإذا قيل: {وما كان جواب قومه} أ بعض قومه، فإذا كان قاله بعض ورضي به الآخرون، فكلهم أو في حكم القائلين، فلا يقدح ما جاء من اختلاف أجوبتهم في الآيات التي نزلت في هذه القصة على ما يظنه المعترض، وإنما يتعلق بمثله من جهل للأنبياء عليهم السلام موافقها، ولم يعرف اللغات ومصارفها، وهذا كثير في قصة موسى عليه السلام مع فرعون وحكايتها في هذه السور وغيرها مما نقف عليه إن شاء الله.
|